حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة تشهد نقلة نوعية في عُمان مع صدور قانون جديد يُعيد تعريف العدالة الاجتماعية والدمج الإنساني وفق رؤية 2040.
جدول المحتويات :
حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة: تشريع يؤسس لمجتمع أكثر إنصافًا
لم يكن صدور قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في سلطنة عُمان خطوة إدارية فحسب، بل تحوّلًا جذريًا في الفلسفة الاجتماعية للدولة. فبعد سنوات من اعتماد نهج “الرعاية والتأهيل”، يأتي هذا القانون ليضع الأساس لمنظومة قائمة على الحقوق، والكرامة، والمساواة في الفرص، والتمكين الفعلي داخل مؤسسات التعليم والعمل والمجتمع.
القانون الجديد الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (92/2025) ألغى القانون السابق (63/2008)، ليعلن بداية مرحلة جديدة تواكب التطور الإنساني والمؤسسي في السلطنة. ومن أبرز ما يميز هذا التحول أنه لم يعد يُنظر إلى الأشخاص ذوي الإعاقة كفئة تحتاج رعاية خاصة فقط، بل كمواطنين كاملي الحقوق لهم القدرة على المساهمة في التنمية متى ما توفرت البيئة الداعمة.
اقرأ أيضا : الإمارات تلغي امتحانات الفصل الدراسي الثاني للعام الدراسي 2025-2026
أبعاد التحول القانوني والاجتماعي
يرتكز القانون الجديد على فلسفة الدمج الشامل، لا العزل المؤسسي. فهو يفتح المجال أمام الأشخاص ذوي الإعاقة للمشاركة الكاملة في الحياة العامة، من خلال التعليم الدامج، والبيئة العمرانية المهيأة، والوظائف التي تراعي قدراتهم، وتكافؤ الفرص في كافة القطاعات.
هذا الإطار القانوني يعكس رؤية السلطنة في جعل العدالة الاجتماعية جزءًا من البنية الاقتصادية والتنموية، وليس مجرد التزام أخلاقي. فحقوق ذوي الإعاقة لم تعد تُمنح بمنطق “المنحة”، بل تُقرّ باعتبارها “واجبًا قانونيًا” على الدولة والمؤسسات والمجتمع معًا.
كما أن إنشاء سجل وطني موحد للأشخاص ذوي الإعاقة يعكس التوجه نحو التخطيط العلمي القائم على البيانات الدقيقة، ما سيساعد على توجيه الخدمات والدعم وفق الاحتياجات الفعلية لكل فئة، سواء في التعليم، أو الصحة، أو التوظيف، أو الرعاية الاجتماعية.
من الرعاية إلى التمكين
يُعتبر هذا القانون امتدادًا مباشرًا لفلسفة رؤية عُمان 2040، التي تؤكد على تنمية الإنسان وتمكين الفئات المختلفة في المجتمع. فالتحول من مفهوم “الرعاية” إلى “التمكين” يعني أن الدولة تتعامل مع الإعاقة كجزء من التنوع الإنساني، لا كاستثناء.
التمكين هنا يتجاوز الدعم المالي أو الخدمات الطبية؛ إنه يتعلق بخلق بيئة عادلة، قابلة للوصول، تتيح للأشخاص ذوي الإعاقة أن يكونوا فاعلين في التعليم العالي، والمشاريع الاقتصادية، والابتكار التقني، والعمل الحكومي والخاص.
ومن المؤشرات المهمة في هذا السياق، تعزيز توظيف ذوي الإعاقة في القطاع الخاص، وتطوير تشريعات تتيح لهم فرصًا متكافئة في بيئة العمل، وتضمن التدرج الوظيفي دون تمييز أو تقييد.
الأثر الاقتصادي والاجتماعي للقانون
الدمج ليس عملاً إنسانيًا فحسب، بل استثمار اقتصادي أيضًا. فإتاحة الفرصة لذوي الإعاقة للمشاركة في سوق العمل يعني الاستفادة من طاقات بشرية كانت مهمّشة سابقًا. كما أن تعزيز وصولهم إلى التعليم المتخصص والرقمنة يفتح آفاقًا جديدة في مجالات الإبداع والبرمجة والتقنيات المساعدة.
من الناحية الاجتماعية، يكرّس القانون مبدأ المساواة ويقلل من الوصم الاجتماعي الذي كان يرافق الإعاقة في بعض البيئات. إنه يخلق وعيًا جديدًا يقوم على التقبل والتكامل، ويرسخ قيم الاحترام المتبادل داخل المجتمع العُماني.
أما من الناحية القانونية، فهو يرسّخ آليات حماية جديدة، تتيح للأشخاص ذوي الإعاقة حق التظلّم والمراجعة في حال انتهاك حقوقهم، مما يعزز الشفافية والمساءلة، ويجعل الدولة راعية للعدالة، لا مانحة للامتيازات.
الجانب الإنساني والتربوي
القانون الجديد لا ينحصر في النصوص فقط، بل يحمل بعدًا تربويًا وإنسانيًا عميقًا. فكل مادة منه تمثل دعوة لإعادة بناء الوعي الجمعي تجاه مفهوم الإعاقة. المدارس، الجامعات، المؤسسات، وحتى الإعلام، جميعها معنية بتغيير النظرة السائدة من “العجز” إلى “القدرة المختلفة”.
الإعاقة ليست حاجزًا، بل تنوعًا بشريًا يتطلب أدوات إدماج فعالة. لذلك يُنتظر أن تشهد المرحلة القادمة برامج تدريبية موسعة للكوادر التعليمية والطبية والإدارية، كي يتم التعامل مع الإعاقة بطريقة علمية قائمة على الفهم والتمكين، لا على الشفقة أو التجاهل.
عُمان ورؤية خليجية شاملة
ما يحدث في عُمان اليوم يوازي توجهًا خليجيًا عامًا نحو تعزيز تشريعات حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة. لكن خصوصية التجربة العُمانية تكمن في أنها تمزج بين الطابع الإنساني والمأسسة القانونية، في إطار وطني هادئ وواضح.
من المتوقع أن يشكّل هذا القانون نموذجًا تستلهمه دول الخليج الأخرى، خصوصًا أنه يأتي في لحظة إقليمية تتزايد فيها الدعوات إلى بناء مجتمعات دامجة ومستدامة. التجربة العُمانية قد تصبح مرجعًا خليجيًا في كيفية صياغة تشريعات شاملة تُترجم الرؤية الاجتماعية إلى واقع مؤسسي.
ومع اتساع نطاق التعاون الخليجي في ملفات التعليم، والعمل، والتقنية، فإن التوجه نحو الدمج الشامل لذوي الإعاقة قد يتحول إلى محور تكامل جديد بين دول المجلس، يُثري العمل المشترك ويعزز الصورة الإنسانية للمنطقة بأكملها.
إن صدور قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في عُمان ليس مجرد تعديل تشريعي، بل إعلان عن مرحلة جديدة من الوعي الاجتماعي. فهو يؤكد أن التنمية لا تكون شاملة إلا إذا تضمنت الجميع، وأن العدالة لا تكتمل إلا إذا شملت من كانوا خارج الأضواء.
القانون الجديد هو رسالة بأن الإعاقة لا تعني الإقصاء، وأن الكرامة الإنسانية لا تُجزّأ. إنه تأسيس لثقافة جديدة تضع الإنسان أولًا، وتعتبر التنوع جزءًا من قوة المجتمع لا من ضعفه.
ومع مرور الوقت، سيُظهر الواقع العملي أن هذا القانون ليس نهاية المطاف، بل بداية مسار طويل نحو مجتمع عادل يفتح ذراعيه للجميع بلا استثناء.
الأسئلة الشائعة (FAQ)
1. ما الفرق بين القانون الجديد والقانون السابق؟
القانون الجديد يركز على الحقوق والتمكين والمشاركة المجتمعية، بينما كان القانون السابق يركّز على الرعاية والتأهيل فقط.
2. متى يدخل القانون الجديد حيّز التنفيذ؟
يُعمل به من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية، وتصدر لوائحه التنفيذية قريبًا لتفصيل آليات التطبيق.
3. ما أبرز الحقوق التي يضمنها القانون للأشخاص ذوي الإعاقة؟
يضمن الحق في التعليم الدامج، والعمل المتكافئ، والرعاية الصحية، والمشاركة في الحياة العامة، والوصول إلى الخدمات والبنية التحتية دون عوائق.
4. كيف يعزز القانون فرص العمل لذوي الإعاقة؟
ينص على تشجيع توظيفهم في القطاعين العام والخاص، وتوفير بيئة عمل آمنة وداعمة تراعي احتياجاتهم الفردية.
5. هل يشمل القانون آليات للرقابة والمساءلة؟
نعم، ينص على إمكانية تقديم شكاوى وتظلّمات عبر قنوات رسمية، مع إلزام الجهات المعنية بتطبيق المعايير الدامجة في كل القطاعات.













اترك رد